الجمعة، 12 نوفمبر 2010

مقال عام 1380 للشيخ البراك يعارض تعليم البنات

بِقَلَمِ الأُسْتَاذِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَاصْرِ بْنِ برَّاك
• نشرت صحيفة اليمامة بعددها الصَّادر رقم : 236 وتاريخ : 28/2/1380 هـ كلمة حول تعليم البنات تحت عنوان ( لا تئدوا بناتنا في المهد ) باسم الكاتب : محمد الفاتح ، فقرأت هَذه الكلمة ووجدتها صريحة كما قال كاتبها ، لكن في الباطل وتشويه الحقائق ، ووجدتها هادفة ، ولكن لا إلى الأخذ بما ينفع الفرد والجماعة في العاجل والآجل ، والتَّمسُّك بالأخلاق الفاضلة الَّتِيْ دعا إليها الإسلام ، بل كانت هادفة إلى نبذ تعاليم الإسلام ، والتَّنكُّر لمبادئه السَّمحةِ ، والتَّفسُّخ من الأحكام الَّتِيْ فرضها الله على المرأة صيانة لها وللرَّجُل من التَّدهور الخُلُقي وجعلها الله قيودا عن الرَّذيلة .• هَذِهِ حقيقة ذلك المقال ، وإن حاول الكاتب تغطيتها تلبيسا وتضليلا ، ولكنها محاولة فاشلة ، فقد أسفر عن ذلك تناقضه الظَّاهر ، ومع هَذَا لم يبالغ في تشويه الحقائق ويسلك لذلك سبلا حائدة عن القصد ، وقد بلغت به القحة أن شنَّها حربا خاسرة على علماء البلاد ، الذين هم روح الأمَّة وقادة الإصلاح فيها ، والَّذِينَ إنما تسعدُ الأمَّةُ بالسَّير على آثارهم ، والإصغاء إلى توجيهاتهم ، أمَّا ترك احترامهم وعدم الالتفات إلى دعوتهم فمصدر شقائها ، وسبيل هلاكها .
• فحطَّ الكاتب من كرامتهم ، وسخر ، واستعار لهم ألقاب المفسدين في الأرض ، فسمَّاهم مزوِّرين ، ورجعيِّين ، واعتبر إنكارهم لتعليم المرأة التَّعليم الحديث الَّذي تضيع فيه الفضيلة ، وتخرج به المرأة عمَّا خُلقت له فتتجاوز ما حدَّه الله لها ، وتروم ما لا تستحق مِمَّا خصَّ الله به الرِّجال ، اعتبر هَذَا النَّوع من التَّعليم وأدا للفتاة ، ومسا لروحها ، ولونا جديدا من ألوان الاستعمار ، وهذه طريقة دعاة الباطل ، يُنَفِّرون من الحَقِّ وأهله بما يُلبِسونهم إيَّاه من الألفاظ المنكرة البغيضة .
• وأنكر الكاتب على دعاة الإصلاح دعوتهم إلى ما عُرف من دين الإسلام بالضَّرورة ، وجُبلت عليه الفطرة المستقيمة ، من الفرق العظيم بين الرَّجل والمرأة في الواجبات والحقوق ، لأنَّ الله لم يسوِّ بينهما شرعا ؛ حكمة منه وعدلا ، فقد جعل الله المرأة على النِّصف من الرَّجل في خمسة أحكام : الإرث ، والدِّية ، والعقيقة ، والشَّهادة ، وثواب العتق ، وهناك أحكام كثيرة أخرى فضَّل الله فيها الرِّجال على النِّساء .
• والكاتب يدَّعي خلاف الواقع وما جاء به الإسلام ، فيرى في زعمه أن المرأة مثل الرَّجل تماما ، لها ما له وعليها ما عليه ، وأنَّها تضاهيه في العقل وأنواع القوى ؛ [إن لم] تكن أكمل منه ، ويكفي في بطلان هَذِهِ الدَّعوى تكذيب الواقع لها .
• وأيَّد الكاتب دعواه بما هو أوهى من الهباء ، وهو نبوغ بعض النِّساء ، وتفوُّقهِنَّ على كثير من الرِّجال ، في عصر صدر الإسلام وبعده ، ثم ذهب يمثِّل لأولائك بـ : خديجة وعائشة والخنساء من المؤمنات في العصر الأوَّل وبأخت نهرو ، وأمينة السَّعيد ، وهدى شعراوي من نساء هَذَا العصر الحديث والأخيرات لفظا ومعنى هُنَّ مقصوده ، لأنَّه أشاد بذكرهنَّ ، وبالغ في إطرائهنَّ ، وادَّعى أنَّهنَّ أعلى شأنا وأرفع قدرا من بعض المصلحين الدِّينيِّين وإلاَّ فما الرَّابط بين بين خديجة وعائشة أمَّا المؤمنين ، وغيرهما من النِّساء المؤمنات بالله ، المحافظات على أوامره ، وبين نساء بعيدات عن الإسلام وتعاليمه ، وإن وُجِد الانتساب إليه عند البعض .
• وما أبعد هَذِهِ الطَّريقة في التَّدليل ، والتَّمثيل على السَّداد ، وهَذِهِ كالتَّسويةِ في التَّمثيل لعظماء الرِّجال بين من هو من أولياء الله المقرَّبين ، وبين من هو من أرذل أعداء الله المُبعدين ، دون اعتبار للإيمان الَّذي هو مناط العِزَّة والعظمة الحقيقيَّة ، كأبي بكر من أئمة الدِّين المشهورين ، وكنهرو من عظماء الكافرين ما لم يرجع إلى الهُدى ، وفي المقال أكثر ممَّا أشرنا إليه ، ولم أكن مبالغا فيما ذكرت ، ونظرة إليه من ذي بصيرة منصف تكفي في الوقوف على الحقيقة ، وبالجملة فكل المقال بعيد من الصَّواب ، إلا ما كان لترويج البضاعة الَّتِيْ لا نَفَاقَ لها في ترويج الحقيقة الثَّابتة .
• وليس للكاتب أي عذر في هَذَا لتَّهور المقيت ، [إ]لا الجهل بالإسلام وشرائعه ، [و]التَّقليد لأعدائه ومن قلَّدهم من المسلمين ، ومن المؤسف أن تكون صحفنا - الَّتِيْ رسالتها الدَّعوة للخير ، والتَّحذير من الشَّرِّ في الدِّين والدُّنيا – منبرا يرتقيه بعض هؤلاء الدُّعاة الذين غمرهم التَّقليد الأعمى .
• ومثل هَذَا الكاتب يجب أن يؤخذ على يده ويُبَصَّر بالحقِّ إن كان جاهلا ، ويُلزم به إن كان متجاهلا ، ويلجم بلجام من حديد عن التَّفوُّه بمثل هَذَا الزُّور ، فضلا [أن] يفسح له المجال لنشر الأفكار المتسمِّمة .
• وليعلم كل أحد أن علماء تلك البلاد ، وعلى رأسهم سماحة المفتى الأكبر ، وجميع أهل الغيرة على الدِّين ، لم يزالوا يعارضون في تعليم البنات التَّعليم الذي يأخذ مجرى تعليمهن في البلاد العربيَّة المجاورة ، الذي هو أثر من آثار الاستعمار .
• وحاشاهم أن يعارضوا في تعليم الأبناء والبنات العلوم النَّافعة في الدين والدُّنيا ، ما لم يفض ذلك إلى شرور ومفاسد تربو على المنافع والفوائد ، نعم كانوا ولا زالوا ينكرون هذه الطَّريقة الحديثة في لتعليم البنات ولا يأمنون عاقبتها ، لأنها لم تنجح في البلاد المجاورة ، كيف وكثير في بلادنا ممن قلَّ نصيبه من العلم النَّافع يريدون السَّير على آثارهم والجري وراءهم دون نظر إلى النَّافع والضَّار !
• وهذا الإنكار وهذه المعارضة من هؤلاء المصلحين من باب سدِّ الذَّرائع المفضية للشُّرور الذي ثبت اعتباره والأمر به في الإسلام .
• أمَّا إشراف سماحة المفتي الأكبر ومن معه من علمائنا الأفاضل على ما قُرِّرَ تأسيسه من مدارس البنات في هذه المملكة ، فلم يكن إلا خوفا ممَّا يمكن أن يحدث لو تُرك الأمر بلا إشراف ولا مراقبة .
• وإذ لا مبرِّر لهذه الاتهامات والكلمات السَّاخرة ، الَّتِيْ توجِّهها صحيفة تحمل اسم جزء من وطننا إلى ذلك الجزء ، بحجَّة معارضتهم في تلك المدارس ، مع أنَّ واجب تلك الصَّحيفة أن تكون لسانا صادقا للتَّعبير عن الأخيار والمصلحين في تلك البلاد الَّتِيْ تنتسب إليها ، لا عن حثالة هم ما بين جاهل مقلد ، ومتعلِّم متمرِّد ، وإلاَّ لم يعد انتسابها إلى ذلك الجزء من وطننا عليه فائدة ، بل كان من غير معنى .
• وختاما أسأل الله أن ينصر الحقَّ وحِزبه ، ويكبت الباطل وأهله ، وأن يهدي ضالَّ المسلمين ، ويثبِّت مستقيمهم ، إنَّه سميع الدُّعاء .وصلَّى الله على محمَّد عبده ورسوله .

ليست هناك تعليقات: